فصل: ذكر خروج عساكر خراسان وموت وشمكير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة ليلة السبت رابع عشر صفر انخسف القمر جميعه‏.‏

وفيها نزلت طائفة من الترك على بلاد الخزر فانتصر بأهل خوارزم فلم ينجدوهم وقالوا‏:‏ أنتم كفار فإن أسلمتم نصرناكم فأسلموا إلا ملكهم فنصرهم أهل خوارزم وأزالوا الترك عنهم ثم أسلم ملكهم بعد ذلك‏.‏

وفيها رابع جمادى الآخرة تقلد الشريف أبو أحمد الحسين بن موسى والد الرضي والمرتضى نقابة العلويين وإمارة الحاج وكتب له منشور من ديوان الخليفة‏.‏

وفيها أنفذ القرامطة سرية إلى عمان والشراة في جبالها كثير فاجتمعوا فأوقعوا بالقرامطة فقتلوا كثيرًا منهم وعاد الباقون‏.‏

وفيها ثار إنسان من القرامطة الذين استأمنوا إلى سيف الدولة واسمه مروان وكان يتقلد السواحل لسيف الدولة فلما تمكن ثار بحمص فملكها وملك غيرها فخرج إليه غلام لقرعويه حاجب سيف الدولة اسمه بدر وواقع القرمطي عدة وقعات ففي بعضها رمى بدر مروان بنشابة مسمومة واتفق أن أصحاب مروان أسروا بدرًا فقتله مروان ثم عاش بعد قتله أيامًا ومات‏.‏

وفيها قتل المتنبي الشاعر واسمه أبو الطيب أحمد بن الحسين الكندي قريبًا من النعمانية وقتل معه ابنه وكان قد عاد من عند الدولة بفارس فقتله الأعراب هناك وأخذوا ما معه‏.‏

وفيها توفي محمد بن حبان بن أحمد بن حبان أبو حاتم البستي صاحب التصانيف المشهورة وأبو بكر محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم المفسر النحوي المقرئ وكان عالمًا بنحو الكوفيين وله تفسير كبير حسن ومحمد بن عبدالله بن إبراهيم بن عبدويه أبو بكر الشافعي في ذي الحجة وكان عالمًا بالحديث عالي الإسناد‏.‏

حبان بكسر الحاء والباء الموحدة‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وخمسين وثلاثمائة

واستيلاء معز الدولة عليه قد ذكرنا في السنة التي قبل هذه خبر عمان ودخول القرامطة إليها وهرب نافع عنها فلما هرب نافع واستولى القرامطة على البلد كان معهم كاتب يعرف بعلي بن أحمد ينظر في أمر البلد وكان بعمان قاضٍ له عشيرة وجاه فاتفق هو وأهل البلد أن ينصبوا في الإمرة رجلًا يعرف بابن طغان وكان من صغار القواد بعمان وأدناهم مرتبةً فلما استقر في الإمرة خاف ممن فوقه من القواد فقبض على ثمانين قائدًا فقتل بعضهم وغرق بعضهم‏.‏

وقدم البلد ابنا أخت لرجل ممن قد غرقهم فأقاما مدة ثم إنهما دخلا على طغان يومًا من أيام السلام فسلما عليه فلما تقوض المجلس قتلاه فاجتمع رأي الناس على تأمير عبد الوهاب بن أحمد بن مروان وهو من أقارب القاضي فولي الإمارة بعد امتناع منه واستكتب علي بن أحمد الذي كان مع الهجريين فأمر عبد الوهاب كاتبه عليًا أن يعطي الجند أرزاقهم صلة ففعل ذلك فلما انتهى إلى الزنج وكانوا ستة آلاف رجل ولهم بأس وشدة قال لهم علي‏:‏ إن الأمير عبد الوهاب أمرني أن أعطي البيض من الجند كذا وكذا وأمر لكم بنصف ذلك فاضطربوا وامتنعوا فقال لهم‏:‏ هل لكم أن تبايعوني فأعطيكم مثل سائر الأجناد فأجابوه إلى ذلك وبايعوه وأعطاهم مثل البيض من الجند فامتنع البيض من ذلك ووقع بينهم حرب فظهر الزنج عليهم فسكنوا واتفقوا مع الزنج وأخرجوا عبد الوهاب من البلد فاستقر في الإمارة علي بن أحمد‏.‏

ثم إن معز الدولة سار إلى واسط لحرب عمران بن شاهين ولإرسال جيش إلى عمان فلما وصل إلى واسط قدم عليه نافع الأسود الذي كان صاحب عمان فأحسن إليه وأقام للفراغ من أمر عمران بن شاهين على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وانحدر من واسط إلى الأبلة في شهر رمضان فأقام بها يجهز الجيش والمراكب ليسيروا إلى عمان ففرغ منه وساروا منتصف شوال واستعمل عليهم أبا الفرج محمد بن العباس بن فسانجس وكانوا في مائة قطعة فلما كانوا بسيراف انضم إليهم الجيش الذي جهزه عضد الدولة من فارس نجدةً لعمة معز الدولة فاجتمعوا وساروا إلى عمان ودخلها تاسع ذي الحجة وخطب لمعز الدولة فيها وقتل من أهلها مقتلة عظيمة وأحرقت مراكبهم وهي تسعة وثمانون مركبًا‏.‏

  ذكر هزيمة إبراهيم بن المرزبان

وسبب ذلك أن إبراهيم لما انهزم من جستان بن شرمزن على ما ذكرناه سنة تسع وأربعين وثلاثمائة قصد أرمينية وشرع يستعد ويتجهز للعود إلى أذربيجان وكانت ملوك أرمينية من الأرمن والأكراد وراسل جستان ابن شرمزن وأصلحه فأتاه الخلق الكثير‏.‏

واتفق أن إسماعيل ابن عمه وهسوذان توفي فسار إبراهيم إلى أردبيل فملكها وانصرف أبو القاسم بن مسيكي إلى وهسوذان وصار معه وسار إبراهيم إلى عمه وهسوذان يطالبه بثأر إخوته فخافه عمه وهسوذان وسار هو وابن مسيكي إلى بلد الديلم واستولى إبراهيم على أعمال عمه وخبط أصحابه وأخذ أمواله التي ظفر بها‏.‏

وجمع وهسوذان الرجال وعاد إلى قلعته بالطرم وسير أبا القاسم بن مسيكي في الجيوش إلى إبراهيم فلقيهم إبراهيم فاقتتلوا قتالًا شديدًا وانهزم إبراهيم وتبعه الطلب فلم يدركوه وسار وحده حتى وصل إلى الري إلى ركن الدولة فأكرمه ركن الدولة وأحسن إليه وكان زوج أخت إبراهيم فبالغ في إكرامه لذلك وأجزل له الهدايا والصلات‏.‏

  ذكر خبر الغزاة الخراسانية مع ركن الدولة

في هذه السنة في رمضان خرج من خراسان جمع عظيم يبلغون عشرين ألفًا إلى الري بنية الغزاة فبلغ خبرهم إلى ركن الدولة وكثرة جمعهم وما فعلوه في أطراف بلاده من الفساد وأن رؤساءهم لم يمنعوهم عن ذلك فأشار عليه الأستاذ أبو الفضل بن العميد وهو وزيره بمنعهم من دخول بلاده مجتمعين فقال‏:‏ لا تتحدث الملوك أنني خفت جمعًا من العزاة فأشار عليه بتأخيرهم إلى أن يجمع عسكره وكانوا متفرقين في أعمالهم فلم يقبل منه فقال له‏:‏ أخاف أن يكون لهم مع صاحب خراسان مواطأة على بلادك ودولتك فلم يلتفت إلى قوله‏.‏

فلما وردوا الري اجتمع رؤساؤهم وفيهم القفال الفقيه وحضروا مجلس ابن العميد وطلبوا مالًا ينفقونه فوعدهم فاشتطوا في الطلب وقالوا‏:‏ نريد خراج هذه البلاد جميعها فإنه لبيت المال وقد فعل الروم بالمسلمين ما بلغكم واستولوا على بلادكم وكذلك الأرمن ونحن غزاة وفقراء وأبناء سبيل فنحن أحق بالمال منكم وطلبوا جيشًا يخرج معهم واشتطوا في الاقتراح فعلم ابن العميد حينئذ خبث سرائرهم وتيقن ما كان ظنه فيهم فرفق بهم وداراهم فعدلوا عنه إلى مشاتمة الديلم ولعنهم وتكفيرهم ثم قاموا عنه وشرعوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسلبون العامة بحجة ذلك ثم إنهم أثاروا الفتنة وحاربوا جماعة من الديلم إلى أن حجز بينهم الليل ثم باكروا القتال ودخلوا المدينة ونهبوا دار الوزير ابن العميد وجرحوه وسلم من القتل‏.‏

وخرج ركن الدولة إليهم في أصحابه وكان في قلة فهزمه الخراسانية فلو تبعوه لأتوا عليه وملكوا البلد منه لكنهم عادوا عنه لأن الليل أدركهم فلما أصبحوا راسلهم ركن الدولة ولطف بهم لعلهم يسيرون من بلده فلم يفعلوا وكانوا ينتظرون مددًا يأتيهم من صاحب خراسان فإنهم كان بينهم مواعدة على تلك البلاد‏.‏

ثم إنهم اجتمعوا وقصدوا البلد ليملكوه فخرج ركن الدولة إليهم فقاتلهم وأمر نفرًا من أصحابه أن يسيروا إلى مكان يراهم ثم يثيروا غبرة شديدة ويرسلوا إليه من يخبره أن الجيوش قد أتته ففعلوا ذلك‏.‏

وكان أصحابه قد خافوا لقلتهم وكثرة عدوهم فلما رأوا الغبرة وأتاهم من أخبرهم أن أصحابهم لحقوهم قويت نفوسهم وقال لهم ركن الدولة‏:‏ احملوا على هؤلاء لعلنا نظفر بهم قبل وصول أصحابنا فيكون الظفر والغنيمة لنا فكبروا وحملوا حملة صادقة فكان لهم الظفر وانهزم الخراسانية وقتل منهم خلق كثير وأسر أكثر ممن قتل وتفرق الباقون فطلبوا الأمان فأمنهم ركن الدولة وكان قد دخل البلد جماعة منهم يكبرون كأنهم يقاتلون الكفار ويقتلون كل من رأوه بزي الديلم ويقولون هؤلاء رافضة فبلغهم خبر انهزام أصحابهم وقصدهم الديلم ليقتلوهم فمنعهم ركن الدولة وأمنهم وفتح لهم الطريق ليعودوا ووصل بعهم نحو ألفي رجل بالعدة والسلاح فقاتلهم ركن الدولة فهزمهم وقتل فيهم ثم أطلق الأسرى وأمر لهم بنفقات وردهم إلى بلادهم وكان إبراهيم بن المرزبان عند ركن الدولة فأثر فيهم آثارًا حسنة‏.‏

  ذكر عود إبراهيم بن المرزبان إلى أذربيجان

في هذه السنة عاد إبراهيم بن المرزبان إلى أذربيجان واستولى عليها‏.‏

وكان سبب ذلك أنه لما قصد ركن الدولة على ما ذكرناه جهز العساكر معه وسير الأستاذ أبا الفضل بن العميد ليرده إلى ولايته ويصلح له أصحاب الأطراف فسار معه إليها واستولى عليها وأصلح له جستان بن شرمزن وقاده إلى طاعته وغيره من طوائف الأكراد ومكنه من البلاد‏.‏

وكان ابن العميد لما وصل إلى تلك البلاد رأى كثرة دخلها وسعة مياهها ورأى ما يتحصل لإبراهيم منها فوجده قليلًا لسوء تدبيره وطمع الناس فيه لاشتغاله بالشرب والنساء فكتب إلى ركن الدولة يعرفه الحال ويشير بأن يعوضه من بعض ولايته بمقدار ما يتحصل له من هذه البلاد ويأخذها منه فإنه لا يستقيم له حال مع الذين بها وإنها تؤخذ منه فامتنع ركن الدولة

من قبول ذلك منه وقال‏:‏ لا يتحدث الناس عني أني استجار بي إنسان وطمعت فيه وأمر أبا الفضل بالعود عنه وتسليم البلاد إليه ففعل وعاد وحكى لركن الدولة صورة الحال وحذره خروج البلاد من يد إبراهيم وكان الأمر كما ذكره حتى أخذ إبراهيم وحبس على ما نذكره‏.‏

  ذكر خروج الروم إلى بلاد الإسلام

و في هذه السنة في شوال خرجت الروم فقصدوا مدينة آمد ونزلوا عليها وحصروها وقاتلوا أهلها فقتل منهم ثلاثمائة رجل وأسر نحو أربعمائة أسير ولم يمكنهم فتحها فانصرفوا إلى دارا وقربوا من نصيبين ولقيهم قافلة واردة من ميافارقين فأخذوها وهرب الناس من نصيبين خوفًا منهم حتى بلغت أجرة الدابة مائة درهم‏.‏

وراسل سيف الدولة الأعراب ليهرب معهم وكان في نصيبين فاتفق أن الروم عادوا قبل هربه فأقام بمكانه وساروا من ديار الجزيرة إلى الشام فنازلوا إنطاكية فأقاموا عليها مدة طويلة يقاتلون أهلها فلم يمكنهم فتحها فخربوا بلدها ونهبوه وعادوا إلى طرسوس‏.‏

  ذكر ما جرى لمعز الدولة مع عمران بن شاهين

قد ذكرنا انحدار معز الدولة إلى واسط لأجل قصد ولاية عمران بن شاهين بالبطائح فلما وصل إلى واسط أنفذ الجيش مع أبي الفضل العباس بن الحسن فساروا فنزلوا الجامدة وشرعوا في سد الأنهار التي تصب إلى البطائح‏.‏

وسار معز الدولة إلى الأبلة وأرسل الجيش إلى عمان على ما ذكرناه وعاد إلى واسط لإتمام حرب عمران وملك بلده فأقام بها فمرض وأصعد إلى بغداد لليلتين بقيتا من ربيع الأول سنة ست وخمسين وهو عليل وخلف العسكر بها ووعدهم أنه يعود إليهم فلما وصل إلى بغداد توفي على ما نذكره فدعت الضرورة إلى مصالحة عمران والانصراف عنه‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة خرجت بنو سليم على الحجاج السائرين من مصر والشام وكانوا عالمًا كثيرًا ومعهم من الأموال ما لا حد عليه لأن كثيرًا من الناس من أهل الثغور والشام هربوا من خوفهم من الروم بأموالهم وأهليهم وقصدوا مكة ليسيروا منها إلى العراق فأخذوا ومات من الناس في البرية ما لا يحصى ولم يسلم إلا القليل‏.‏

وفيها عظم أمر أبي عبدالله الداعي بالديلم ولبس الصوف وأظهر النسك والعبادة وحارب ابن وشمكير فهزمه وعزم على المسير إلى طبرستان وكتب إلى العراق كتابًا يدعوهم فيه إلى وفيها تم الفداء بين سيف الدولة والروم وسلم سيف الدولة ابن عمه أبا فراس بن حمدان وأبا الهيثم ابن القاضي أبي الحصين‏.‏

وفيها انخسف القمر جميعه ليلة السبت ثالث عشر شعبان وغاب منخسفًا‏.‏

وفيها توفي أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سالم المعروف بابن الجعابي الحافظ البغدادي بها وكان يتشيع وأبو عبدالله محمد بن الحسين بن علي ابن الحسين بن الوضاح الوضاحي الشاعر الأنباري‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وخمسين وثلاثمائة

  ذكر موت معز الدولة وولاية ابنه بختيار

في هذه السنة ثالث عشر ربيع الآخر توفي معز الدولة بعلة الذرب وكان بواسط وقد جهز الجيوش لمحاربة عمران بن شاهين فابتدأ به الإسهال وقوي عليه فسار نحو بغداد وخلف أصحابه ووعدهم أنه يعود إليهم لأنه رجا العافية فلما وصل إلى بغداد اشتد مرضه وصار لا يثبت في معدته شيء فلما أحس بالموت عهد إلى ابنه عز الدولة بختيار وأظهر التوبة

وتصدق بأكثر ماله وأعتق مماليكه ورد شيئًا كثيرًا على أصحابه وتوفي ودفن بباب التبن في مقابر قريش فكانت إمارته إحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرًا ويومين‏.‏

وكان حليمًا كريمًا عاقلًا ولما مات معز الدولة وجلس ابنه عز الدولة في الإمارة مطر الناس ثلاثة أيام بلياليها مطرًا دائمًا منع الناس من الحركة فأرسل إلى القواد فأرضاهم فانجلت السماء وقد رضوا فسكنوا ولم يتحرك أحد‏.‏

وكتب عز الدولة إلى العسكر بمصالحة عمران بن شاهين ففعلوا وعادوا‏.‏

وكانت إحدى يدي معز الدولة مقطوعة واختلف في سببها قطعها فقيل قطعت بكرمان لما سار إلى قتال من بها وقد ذكرناه وقيل غير ذلك وهو الذي أحدث أمر السعاة وأعطاهم عليه الجرايات الكثيرة لأنه أراد أن يصل خبره إلى أخيه ركن الدولة سريعًا فنشأ في أيامه فضل ومرعوش وفاقا جميع السعاة وكان كل واحد منهما يسير في اليوم نيفًا وأربعين فرسخًا وتعصب لهما الناس وكان أحدهما ساعي السنة والأخر ساعي الشيعة‏.‏

  ذكر سوء سيرة بختيار وفساد حاله

لما حضرت معز الدولة الوفاة وصى ولده بختيار بطاعة عمه ركن الدولة واستشارته في كل ما يفعله وبطاعة عضد الدولة ابن عمه لأنه أكبر منه سنًا وأقوم بالسياسة ووصاه بتقرير كاتبيه أبي الفضل العباس بن الحسين وأبي الفرج محمد بن العباس لكفايتهما وأمانتهما ووصاه بالديلم والأتراك وبالحاجب سبكتكين فخالف هذه الوصايا جميعها واشتغل باللهو واللعب وعشرة النساء والمساخر والمغنين وشرع في إيحاش كاتبيه وسبكتكين فاستوحشوا وانقطع سبكتكين عنه فلم يحضر داره‏.‏

ونفى كبار الديلم عن مملكته شرهًا إلى إقطاعتهم وأموالهم وأموال المتصلين بهم فاتفق أصاغرهم عليه وطلبوا الزيادات واضطر إلى مرضاتهم واقتدى بهم الأتراك فعملوا مثل ذلك ولم يتم له على سبكتكين ما يريد لاحتياطه واتفق الأتراك معه وخرج الديلم إلى الصحراء وطالعوا بختيار بإعادة من أسقط منهم فاحتاج أن يجيبهم لتغير سبكتكين عليه وفعل الأتراك أيضًا مثل فعلهم‏.‏

واتصل خبر موت معز الدولة بكاتبه أبي الفرج محمد بن العباس وهو متولي أمر عمان فسلمها إلى نواب عضد الدولة وسار نحو بغداد‏.‏

وكان سبب تسليمها إلى عضد الدولة أن بختيار لما ملك بعد موت أبيه تفرد أبو الفضل بالنظر في الأمور فخاف أبو الفرج أن يستمر انفراده عنه فسلم عمان إلى عضد الدولة لئلا يؤمر بالمقام فيها لحفظها وإصلاحها وسار إلى بغداد فلم يتمكن من الذي أراد وتفرد أبو الفضل بالوزارة‏.‏

  ذكر خروج عساكر خراسان وموت وشمكير

و في هذه السنة جهز الأمير منصور بن نوح صاحب خراسان وما وراء النهر الجيوش إلى الري‏.‏

وكان سبب ذلك أن أبا علي بن إلياس سار من كرمان إلى بخارى ملتجئًا إلى الأمير منصور على ما نذكره إن شاء الله تعالى فلما ورد عليه أكرمه وعظمه فأطمعه في ممالك بني بويه وحسن له قصدها وعرفه أن نوابه لا يناصحونه وأنهم يأخذون الرشي من الديلم فوافق ذلك ما كان يذكره له وشمكير فكاتب الأمير منصور وشمكير والحسن بن الفيرزان يعرفهما ما عزم عليه من قصد الري ويأمرهما بالتجهز لذلك ليسيرا مع عسكره‏.‏

ثم إنه جهز العساكر وسيرها مع صاحب جيوش خراسان وهو أبو الحسن محمد بن إبراهيم سيمجور الدواتي وأمره بطاعة وشمكير والانقياد له والتصرف بأمره وجعله مقدم الجيوش جميعها‏.‏

فلما بلغ الخبر إلى ركن الدولة أتاه ما لم يكن في حسابه وأخذه المقيم المقعد‏.‏

وعلم أن الأمر قد بلغ الغاية فسير أولاده وأهله إلى أصبهان وكاتب ولده عضد الدولة يستمده وكاتب ابن أخيه عز الدولة بختيار يستنجده أيضًا‏.‏

فأما عضد الدولة فإنه جهز العساكر وسيرهم إلى طريق خراسان وأظهر أنه يريد قصد خراسان لخلوها من العساكر فبلغ الخبر أهل خراسان فأحجموا قليلًا ثم ساروا حتى بلغوا الدامغان وبرز ركن الدولة في عساكره من الري نحوهم فاتفق موت وشمكير فكان سبب موته أنه وصله من صاحب خراسان هدايا من جملتها خيل فاستعرض الخيل واختار أحدها وركبه للصيد فعارضه خنزير قد رمي بحربة وهي ثابتة فيه فحمل الخنزير على وشمكير وهو غافل فضرب الفرس فشب تحته فألقاه إلى الأرض وخرج الدم من أذنيه وأنفه فحمل ميتًا وذلك في المحرم من سنة سبع وخمسين وانتقض جميع ما كانوا فيه وكفى الله ركن الدولة شرهم‏.‏

ولما مات وشمكير قام ابنه بيستون مقامه وراسل ركن الدولة وصالحه فأمده ركن الدولة بالمال والرجال‏.‏

ومن أعجب ما يحكى مما يرغب في حسن النية وكرم المقدرة أن وشمكير لما اجتمعت معه عساكر خراسان وسار كتب إلى ركن الدولة يتهدده بضروب من الوعيد والتهديد ويقول‏:‏ والله

لئن ظفرت بك لأفعلن بك ولأصنعن بألفاظ قبيحة فلم يتجاسر الكاتب أن يقرأه فأخذه ركن الدولة فقرأه وقال للكاتب‏:‏ اكتب إليه‏:‏ أما جمعك وأحشادك فما كنت قط أهون منك علي الآن وأما تهديدك وإيعادك فوالله لئن ظفرت بك لأعاملنك بضده ولأحسنن إليك ولأكرمنك فلقي وشمكير سوء نيته ولقي ركن الدولة حسن نيته‏.‏

وكان بطبرستان عدو لركن الدولة يقال له نوح بن نصر شديد العداوة له لا يزال يجمع له ويقصد أطراف بلاده فمات الآن وعصى عليه بهمذان إنسان يقال له أحمد بن هارون الهمذاني لما رأى خروج عساكر خراسان وأظهر العصيان فلما أتاه خبر موت وشمكير مات لوقته وكفى الله ركن الدولة هم الجميع‏.‏

  ذكر القبض على ناصر الدولة بن حمدان

في هذه السنة قبض أبو تغلب بن ناصر الدولة على أبيه وحبسه في القلعة ليلة الست لست بقين من جمادى الأولى‏.‏

وكان سبب قبضه أنه كان قد كبر وساءت أخلاقه وضيق على أولاده وأصحابه وخالفهم في أغراضهم للمصلحة فضجروا منه‏.‏

وكان فيما خالفهم فيه أنه لما مات معز الدولة عزم أولاده على قصد العراق وأخذه من بختيار فنهاهم وقال لهم‏:‏ إن معز الدولة قد خلف مالًا يستظهر به ابنه عليكم فاصبروا حتى يفرق ما عنده من المال ثم اقصدوه وفرقوا الأموال فإنكم تظفرون به لا محالة فوثب عليه أبو تغلب فقبضه ورفعه إلى القلعة ووكل به من يخدمه ويقوم بحاجاته وما يحتاج إليه‏.‏

فلما فعل ذلك خالفه بعض إخوته وانتشر أمرهم الذي كان يجمعهم وصار قصاراهم حفظ ما في أيديهم واحتاج أبو تغلب إلى مداراة عز الدولة بختيار وتجديد عقد الضمان ليحتج بذلك على إخوته ومن خالفه فضمنه البلاد بألف ألف مائتي ألف درهم كل سنة‏.‏

  ذكر من مات من الملوك

مات فيها وشمكير بن زيار كما ذكرناه ومعز الدولة وقد ذكرناه والحسن بن الفيرزان وكافور الإخشيدي ونقفور ملك الروم وأبو علي محمد بن إلياس صاحب كرمان وسيف الدولة بن حمدان‏.‏

فأما سيف الدولة أبو الحسن علي بن أبي الهيجاء عبدالله بن حمدان بن حمدون التغلبي فإنه مات بحلب في صفر وحمل تابوته إلى ميافارقين فدفن بها وكانت علته الفالج وقيل عسر البول

وكان مولده في ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثمائة وكان جوادًا كريمًا شجاعًا وأخباره مشهورة في ذلك وكان يقول الشعر فمن شعره في أخيه ناصر الدولة‏:‏ وهبت لك العليا وقد كنت أهلها وقلت لهم بيني وبين أخي فرق وما كان بي عنها نكولٌ وإنما تجاوزت عن حقّي فتمّ لك الحقّ أما كنت ترضى أن أكون مصلّيًا إذا كنت أرضى أن يكون لك السّبق وله أيضًا قد جرى في دمعه دمه فإلى كم أنت تظلمه ردّ عنه الطّرف منك فقد جرحته منك أسهمه كيف يستطيع التجلّد من خطرات الوهم تؤلمه ولما توفي سيف الدولة ملك بلاده بعده ابنه أبو المعالي شريف‏.‏

وأما أبو علي بن إلياس فسيرد ذكر موته سنة سبع وخمسين‏.‏

وأما كافور فإنه كان صاحب مصر وكان من موالي الإخشيد محمد ابن طغج واستولى على مصر ودمشق بعد موت الإخشيد لصغر أولاده وكان خصيًا أسود وللمتنبي فيه مديح وهجو وكان قصده إلى مصر وخبره معه مشهور ولما دفن كتب على قبره‏:‏ دنياهم ضحكت أيّام دولتهم حتّى إذا انقرضوا ناحت لهم وبكت وفيها توفي أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد بن أحمد الأصبهاني الأموي وهو من ولد محمد بن مروان بن الحكم الأموي وكان شيعيًا وهذا من العجب وهو صاحب كتاب الأغاني وغيره‏.‏

وفيها توفي يوسف بن عمر بن أبي عمر القاضي وكان مولده سنة خمس وثلاثمائة وولي قضاء بغداد في حياة أبيه وبعده‏.‏

وفيه توفي أبو الحسن أحمد بن محمد بن سالم صاحب سهل التستري رضي الله عنه

  ثم دخلت سنة سبع وخمسين وثلاثمائة

  ذكر عصيان حبشي ابن معز الدولة على بختيار بالبصرة وأخذه قهرًا

في هذه السنة عصى حبشي بن معز الدولة على أخيه بختيار وكان بالبصرة لما مات والده فحسن له من عنده من أصحابه الاستبداد بالبصرة وذكروا له أن أخاه بختيار لا يقدر على قصده فشرع في ذلك فانتهى الخبر إلى أخيه فسير وزيره أبا الفضل العباس بن الحسين إليه وأمره بأخذه كيف أمكن فأظهر الوزير أنه يريد الانحدار إلى الأهواز‏.‏

ولما بلغ واسط أقام بها ليصلح أمرها وكتب إلى حبشي يعده أنه يسلم إليه البصرة سلمًا ويصالحها عليها ويقول له‏:‏ إنني قد لزمني مال على الوزارة ولا بد من مساعدتي فأنفذ إليه حبشي مائتي ألف درهم وتيقن حصول البصرة له فوصلها هو وعسكر الأهواز لميعادهم فلم يتمكن حبشي من إصلاح شأنه وما يحتاج إليه فظفروا به وأخذوه أسيرًا وحبسوه برامهرمز فأرسل عمه ركن الدولة وخلصه فسار إلى عضد الدولة فأقطعه إقطاعًا وافرًا وأقام عنده إلى أن مات في آخر سنة تسع وستين وثلاثمائة وأخذ الوزير من أمواله بالبصرة شيئًا كثيرًا ومن جملة ما أخذ له خمسة عشر ألف مجلد سوى الأجزاء والمسرس وما ليس له جلد‏.‏

  ذكر البيعة لمحمد بن المستكفي

في هذه السنة ظهر ببغداد بين الخاص والعام دعوة إلى رجل من أهل البيت اسمه محمد بن عبدالله وقيل إنه الدجال الذي وعد به رسول الله ـ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ وإنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويجدد ما عفا من أمور الدين فمن كان من أهل السنة قيل له‏:‏ إنه عباسي ومن كان أهل الشيعة قيل له‏:‏ إنه علوي فكثرت الدعاة إليه والبيعة له‏.‏

وكان الرجل بمصر وقد أكرمه كافور الإخشيدي وأحسن إليه وكان في جملة من بايع له

سبكتكين العجمي وهو من أكابر قواد معز الدولة وكان يتشيع فظنه علويًا وكتب إليه يستدعيه من مصر فسار إلى الأنبار وخرج سبكتكين إلى طريق الفرات وكان يتولى حمايته فلقي ابن المستكفي وترجل له وخدمه وأخذه وعاد إلى بغداد وهو لا يشك في حصول الأمر له‏.‏

ثم ظهر لسبكتكين أن الرجل عباسيٌ فعاد عن ذلك الرأي ففطن ابن المستكفي وخاف هو وأصحابه فهربوا وتفرقوا فأخذ ابن المستكفي ومعه أخ له وأحضر عند بختيار فأعطاهما الأمان ثم إن المطيع تسلمه من بختيار فجدع أنفه ثم خفي خبره‏.‏

  ذكر استيلاء عضد الدولة على كرمان

في هذه السنة ملك عضد الدولة بلاد كرمان‏.‏

وكان سبب ذلك أن أبا علي بن إلياس كان صاحبها مدة طويلة على ما ذكرناه ثم إنه أصابه فالج خاف منه على نفسه فجمع أكابر أولاده وهم ثلاثة‏:‏ إليسع وإلياس وسليمان فاعتذر إلى إليسع من جفوة كانت منه له قديمًا وولاه الأمر ثم بعده أخاه إلياس وأمر سليمان بالعود إلى بلادهم وهي بلاد الصغد وأمره بأخذ أموال له هناك وقصد إبعاده عن إليسع لعدواة كانت

فسار من عند أبيه واستولى على السيرجان فلما بلغ أباه ذلك أنفذ إليه إليسع في جيش وأمره بمحاربته وإجلائه عن البلاد ولم يمكنه من قصد الصغد إن طلب ذلك فسار إليه وحصره واستظهر عليه فلما رأى سليمان ذلك جمع أمواله وسار نحو خراسان واستقر أمر إليسع بالسيرجان وملكها وأمر بنهبها فنهبت فسأله القاضي وأعيان البلد العفو عنهم فعفا‏.‏

ثم إن جماعة من أصحاب والده خافوه فسعوا به إلى أبيه فقبض عليه وسجنه في قلعة له فمشت والدته إلى والدة أخيه إلياس وقالت لها‏:‏ إن صاحبها قد فسخ ما كان عقده لولدي وبعده يفعل بولدك مثله ويخرج الملك عن آل إلياس والرأي أن تساعديني على تخليص ولدي ليعود الأمر إلى ما كان عليه‏.‏

وكان والده أبو علي تأخذه غشية في بعض الأوقات فيمكث زمانًا طويلًا لا يعقل فاتفقت المرأتان وجمعتا الجواري في وقت غشيته وأخرجن إليسع من حبسه ودلينه من ظهر القلعة إلى الأرض فكسر قيده وقصد العسكر فاستبشروا به وأطاعوه وهرب منه من كان أفسد حاله مع أبيه وأخذ بعضهم ونجا بعضهم وتقدم إلى القلعة ليحصرها‏.‏

فلما أفاق والده وعرف الصورة راسل ولده وسأله أن يكف عنه ويؤمنه على ماله وأهله حتى يسلم إليه القلعة وجميع أعمال كرمان ويرحل إلى خراسان ويكون عونًا له هناك فأجابه إلى ذلك وسلم إليه القلعة وكثيرًا من المال وأخذ معه ما أراد وسار إلى خراسان وقصد بخارى فأكرمه الأمير منصور بن نوح وأحسن إليه وقربه منه فحمل منصورًا على تجهيز العساكر إلى الري وقصد بني بويه على ما ذكرناه وأقام عنده إلى أن توفي سنة ست وخمسين وثلاثمائة بعلة الفالج على ما ذكرناه‏.‏

وكان ابنه سليمان ببخارى أيضًا وأما إليسع فإنه صفت له كرمان فحمله ترف الشباب وجهله على مغالبة عضد الدولة على بعض حدود عمله وأتاه جماعة من أصحاب عضد الدولة وأحسن إليهم ثم عاد بعضهم إلى عضد الدولة فاتهم إليسع الباقين فعاقبهم ومثل بهم‏.‏

ثم إن جماعة من أصحابه استأمنوا إلى عضد الدولة فأحسن إليهم وأكرمهم ووصلهم فلما رأى أصحابه تباعد ما بين الحالين تألبوا عليه وفارقوه متسللين إلى عضد الدولة وأتاه منهم في دفعة واحدة نحو ألف رجل من وجوه أصحابه فبقي في خاصته وفارقه معظم عسكره‏.‏

فلما رأى ذلك أخذ أمواله وأهله وسار بهم نحو بخارى لا يلوي على شيء وسار عضد الدولة إلى كرمان فاستولى عليها وملكها وأخذ ما بها من أموال آل إلياس وكان ذلك في شهر رمضان وأقطعها ولده أبا الفوارس وهو الذي لقب بعد ذلك شرف الدولة وملك العراق واستخلف عليها كورتكين ابن جستان وعاد إلى فارس وراسله صاحب سجستان وخطب وأما إليسع فإنه لما وصل إلى بخارى أكرمه وأحسن إليه وصار يذم أهل سامان في قعودهم عن نصره وإعادته إلى ملكه فنفي عن بخارى إلى خوارزم‏.‏

وبلغ أبا علي بن سيمجور خبره فقصد ماله وأثقاله وكان خلفها ببعض نواحي خراسان فاستولى على ذلك جميعه وأصاب إليسع رمد شديد بخوارزم فأقلقه فحمله الضجر وعدم السعادة إلى أن قلع عينه الرمدة بيده وكان ذلك سبب هلاكه ولم يعد لآل إلياس بكرمان دولة وكان الذي أصابه لشؤم عصيان والده وثمرة عقوقه‏.‏